ثبات الرومان
لم يَبدُ الرومان في تاريخهم أثبت وأشجع ممّا ظهر منهم في اليوم الذي حلّت بهم الكوارث المهولة، ومُنوا بالاندحار، إذ إنّ أحسن فرق جيشهم قد انهار وتبعثر بعد معركة "كاناي" (cannae) وهدّد "هنيبعل" الجمهوريّة الرومانيّة بالتقويض والفناء القريب المؤكّد؛ وبالفعل فإنّ "تيتليف" روى أنّ هذا القائد العظيم بلغ بجيوشه جوار روما، وعسكر فيه، وأطلّ على أبواب العاصمة، ومع هذا الخطر الشديد لم يخَفْ مجلس الأعيان ولم يفقد شجاعته ولم يردْ أن يطلبَ الصلح من عدوّه الغازي، وأبدى الرومان رغبتهم في تجديد القتال ومواصلة الجهاد في سبيل الوطن، مؤمّلين أن يتداركوا الخسائر السابقة وينتقموا لكرامتهم المطعونة. ومن أجل هذا اتّخذ الشعب الرومانيّ قرارًا بعدم المفاوضة في شروط الصلح ما بقي القرطاجيّون الفينيقيّون في إيطاليا، وهذا الثبات الذي امتدحه وأعجب به "هنيبعل" هو الذي أحيا الأمل في قلوب الرومان، وهو الذي أنقذ روما من نير الغزاة الشرقيّين.
يوسف س. نويهض