النظام
(مقالة كتبها المؤلّف لتلاميذه في الصفّ الخامس الابتدائيّ)
النظام هو اتّباع منهج قويم أوصى به العقل والمنطق أو فرضته الغرائز الطبيعيّة أو القوّة الالهيّة. ومهما كان الدافع إليه ففيه مصلحة للإنسان وجميع المخلوقات مفردة ومجتمعة، وفيه دفاع عن النفس، وحفظٌ للكائنات.
فالنمل، في السعي وراء الغذاء، يسير في طريق واحدة، لا يحيد عنها في الذهاب والإياب، كأنّ هناك شرطيين من جنسه تفرض عليه السير على ذلك المنوال المنظّم. والنّحل في غدوه ورواحه، وصنعه للخلايا المسدّسة الشكل، وحراسته للقفير من شرّ الزنابير وغيرها من الأعداء، وانقياده لملكة واحدة يأتمر بأمرها، فيحطّ إذا حطّت ويهبّ إذا طارت، فإنّه ينساق بغريزته إلى نظام فيه محافظة على كيانه. وفي الطير أجناس تعيش جماعات، ولا تطير رفوفًا إلّا ويتقدّمها رئيس منها تهتدي بهديه خوفًا على نفسها من التفرّق والتبعثر والبوار من جرّاء هجوم، قد يقوم به عليها كواسر الطيور. والأرض والكواكب إذا اختلّ نظام حركتها قُضي على كلّ حياة فيها وفني البشر.
فالنظام إذًا شيء طبيعي لم يفرضه الإنسان على المخلوقات والأبناء، فإذا ما قُدّس فلأنّ فيه راحة للفرد والمجتمع. فالمجتمع الراقي هو ذلك الذي يتربّى تربية، سداها ولحمتها النظام. والدولة التي تكسب الحروب هي تلك التي لا تُقدم على مباغتة العدو ومهاجمته، ولا تدَبر يومًا دفاعًا عن جيوشها إلّا بعد درس الخطّة والسير بموجبها والتقيّد بنظامها.
والفرد لا ينجح في حياته إلّا إذا اختطّ لنفسه خطّة منظّمة تسهّل عليه العمل الشاقّ، وتوفّر له الوقت الثمين. والطالب في المدرسة لا يترقّى ولا يسير في مضمار الفوز، إلّا إذا سار حسب نظام يفرضه عليه معلّموه، فيضع كلّ شيء من لوازمه وكتبه في أماكنها المعدّة لها، ويستيقظ في أوقات معيّنة كاستيقاظ الطير، ويصغي إلى كلّ شرح، ويقوم بعمل كلّ فرض، ويتزيّن بالصمت وقت ما يلزم الصمت، ويتكلّم عندما يقتضي التكلّم.
النظام لا يجب أن يُفْرَض على المرء بالقوّة، بل من اللازم أن يعمل به بملء إرادته؛ فهو سلاح متين لا يتهيّب صاحبه القويّ، وهو عنوان رقيّ الأمم وبرهانٌ على حيويّتها ورمز قوّتها وسرّ بقائها.
يوسف س. نويهض