قطّة                                                 

                                   (قصّة كتبها المؤلّف لتلاميذه في الصفّ الخامس الابتدائيّ)

   سعدى عندها قطّة ربّتها منذ كانت جروة صغيرة، وهي كبيرة الحجم، لونها رماديّ مائل إلى السواد، عنقها منقّطة بالبياض، أرجوانيّة الأنف حادته، عيناها زرقاوان برّاقتان كالزجاج الصافيّ تظهرن في أثناء الليل الحالك كأنّهما شعلتان خفيّتان من نار. يعلو أنفها الورديّ شاربان، شعرها كريش القنفذ في صلابته، أذناها رقيقتان كالورق الصقيل، صوفها كثيف وناعم كالحرير، تُسَرُّ إذا لمستْه يدُك. ذيلها يشبة ذنب الثعلب، يكاد إذا جرت، يكنّس الأرض لطوله.

   تعتني بها صاحبتها اعتناءً كبيرًا وتحبّها حبًّا شديدًا، كأنّها بُنَيّة، كثيرة الدلال والغنج، وقد أسمتها "ميمي" كما تسمّى بعض البنات، وهي تناديها بهذا الاسم فتسرع إلى سيّدتها إذا سمعت النداء؛ وهي سلوى لها عندما تكون وحدها في البيت.

   ليست الهرّة "ميمي" كسلانة كما قد تتصوّر، فإنّها بالعكس نشيطة، تمضي جزءًا من الليل قرب صاحبتها، والقسم الأكبر تقضيه في المطبخ وبيت المونة ترصد الجرذان والفئران، فإذا ما اصطادت واحدًا من هذه الحيوانات المؤذية، أخذته بعنقه وحملته إلى غرفة "سعدى" وهو لم يزل حيًّا، فتتركه حرًّا، فإذا هرب جرت وراءه تداعبه تارة وتضربه بكفّها طورًا، وتقلبه بطنًا لظهر أحيانًا. حتّى إذا أخذ منه الإعياء مأخذًا حملته بفيها، ومرّت أمام سيّدة البيت كأنّها تريد أن تقول لها: انظري إليَّ كم أنا نشيطة ونافعة؛ وكيف أنتصر في حربي ضدّ الفئران الضّارّة التي كانت تسيطر على ما في المطبخ من مأكل ومشرب، وتسود فيه وتميد لولا وجودي عندك!

   والقطّة "ميمي" شريفة أمينة، فهي لاتسرق شيئًا من مآكل البيت، حتّى ولو كانت وحدها أمام اللحوم الشهيّة. فإذا جاعت وكانت صاحبتها "سعدى" في غرفة الاستقبال، أتت إليها وأخذت تدور حولها، وتحتكّ بها، فإذا ما أبطأت شرعت في المواء بصوت منخفض، ثم يتدرّج الصوت بالارتفاع حتّى يلفت نظر "سعدى" وانتباهها، وحينئذٍ تنهض فتجري القطّة أمامها، وتقودها إلى المطبخ، وتقف أمام خزانة الأكل، وتلتفت إلى أعلى، فتفتح ربّة البيت الباب وتُخرج بعض الأكل، وتضعه في صحن خاصّ بقطّتها، وعندما تشبع تمسح شفتيها ورأس أنفها بلسانها الورديّ، وتعود إلى قرب صاحبتها تداعبها وتقوّس ظهرها وتعلّي ذنبها الحريريّ وهي تخرخر كأنّها تشكر من قدّمت لها الأكل.

   وعندما تواكب سيّدة البيت ضيوفها إلى خارج البيت لتودّعهم، ترافقها القطّة ثم تعود معها بعد انصراف الزائرين.

   وإذا غابت صاحبتها عن البيت يومًا، يكثر مواؤها وتبقى مضطربة حتّى إذا عادت في المساء، هرعت الهرّة إلى الباب لتستقبلها كأنّها ضيف، وتسير أمامها حتّى تصل إلى غرفتها الخاصّة فيطمئنّ بالها، وحينئذٍ تذهب وتنام على كنبة قريبة من سرير مولاتها.

                                          يوسف س. نويهض