الأعمى والكسيح
حكي أنّه كان في إحدى المدن رجلان: أعمى وكسيح؛ وكانا فقيرين معدمين، يجلسان على أرصفة الطرق، يستجديان المارّة ليحصّلا عيشهما، وكان كلٌ منهما يتمنّى لنفسه الموت لينجو من هذا الشقاء الأليم، ولكنّ الله لم يستجب دعاءهما.
في ذات يوم حمل الأعمى عصاه وسار في المدينة على غير هدىً، يتحسّس طريقه، هنا يقع في حفرة، وهناك يلتطم بشخص مسرع، أو بعمود منتصب، ولم يكن عنده من معين يهديه، ولا صديق يخفّف عنه مصيبته في عماه.
وبينما هذا الأعمى سائر يومًا في أحد المنعطفات، سمع أنين شخص مريض متألّم، فتحرّك قلبه شفقةً عليه واقترب يؤاسيه وسأله قائلًا:
- يا أخي هلمَّ نوحّد شقاءنا لنخفّف عنا آلامنا، فليس أشفق على الشقيّ البائس مثلي من الشقيّ البائس مثلك.
فأجابه الرجل المريض:
- يا أخي ألا ترى حالي، إنّني مقعد كسيح، لا أقدر على الوقوف والسير، وليس فيَّ إلّا عينان تنظران، ولسان ينطق ويندب ويستجدي، خلّني في بلائي، ودعني أمُت ههنا واذهب في طريقك، فلا جدوى من اتّحادنا.
لم يقنط الأعمى من الكسيح، بل أضاف قائلًا له:
- يا أخي لا يستولينَّ عليك اليأس وثق بالله، فإنّه يُنقذنا. تعال نتّحد معًا في العمل وكلّ منّا له رسمال يؤدّيه في هذه الشراكة. أنت لك عينان قويّتان تهدياني طريقي وتجنّباني العثَرَة، ولي ساقان نشيطتان تساعدانني على حملك ونقلك حيث تشاء وهكذا فإنّك تعيرني عينيك وأعيرك ساقيّ.
وهكذا اتفقا على التعاون فخفّفا عنهما كثيرًا من آلام الحياة ومتاعبها، ولم يعودا يستعجلان الموت.
يوسف س. نويهض