البائعة الخاسرة
قاسم صانع نشيط بلغ سنّ الكهولة، قضى سنوات طوالا يعمل في أحد المصانع. وكان في كلّ سنة يقتّر على نفسه وعلى عائلته ليوفّر جزءًا من أجرته، يبدله ببضع ليرات ذهبيّة، ويخبّئها ضمن كيس صغير في فراش من صوف، دون أن يَطَّلع على عمله أحد من ذويه؛ وظلّ على هذا المنوال حتّى بلغ الوفر مائة ليرة صفراء.
وفي إحدى السنين، ندر الصوف وغلا؛ فصار كثيرون من الناس المتوسّطين والفقراء يبيعون بعض فرشهم المحشوّة بالمادّة الغالية، مغترّين بأسعارها.
وكان لقاسم زوجة، رأت جاراتها يبعن صوفهنَّ، فحسدتهنّ وأرادت الاقتداء بهنّ طمعًا في قبض مبلغ غير زهيد تشتري به ما تحتاجه، وعزمت على بيع الفراش الثقيل الوزن المستودع فيه كيس الذهب. فاستشارت زوجها في الأمر، ذات مساء، ولكنّه أبى وزجرها وحذّرها من البيع، فسكتت غير مقتنعة بصحّة رأيه.
وبعد أسابيع انقضت، تضاعف سعر الصوف، واتّفق أن مرّ أمام بيتها مشترٍ متجوّل، فباعته حشوة الفراش دون إعلام زوجها هذه المرّة، ظانّة أنّه يرضى عن صفقتها الرابحة عندما تناوله قيمة تربو على مائتي ليرة ورقًا.
وعند الغياب، عاد الزوج من شغله وقصد متربّعًا على الطبق لتناول العشاء مع امرأته. وفي أثناء الأكل، أوقفته على خبر المبيع، فصُعق له وكاد أن يُغمى عليه وغصّ بلقمته، ولكنّه تمالك نفسه وكبت غيظه الشديد واستعلم عن الشاري ولحق به من ساعته فوجده واحتال عليه وفتّش في جزّات الصوف وانتزع منها كيسه الثمين بعد جهد وعاد به سالمًا.
وبّخ قاسم زوجته توبيخًا قاسيًا، لعملها الدالّ على عناد وقلّة رويّة، فاعتذرت واستغفرت منه وندمت على مخالفة رأي زوجها وعصيان أمره الذي كاد يقضي على مستقبلها ومستقبل عائلتها، وعلمت أنّ انفراد أحد الزوجين في الرأي دون مشورة شريكه الآخر يجرّ إلى الخراب.
يوسف س. نويهض