التّعاون

    من العاداتِ المحمودة عند قدماء اللبنانيين: أنّهم كانوا إذا نُكب أحد القرويّين بموت دابة له بادروا إلى عقد اجتماع فيما بينهم، وجمعوا التبرّعات وقدّموها للشخص المنكوب من مواطنيهم دون منّة أو حساب. وإذا حُرق بيت أحدهم أو دمّرته صاعقة أو جرفه سيل، هبّوا إلى نجدته وعاونوه كلّ حسب وسعه، فالغنيّ يتبرّع بالمال والملّاك يقطع بعض الأشجار اللّازمة لسقف البيت ويقدّمها له دون مقابل، والفقير العامل يساعده بعمله اليدويّ، فيحفر الأساس مثلًا أو ينقل الحجارة والطين، والصانع يُعنى بالبناء أو بالنجارة أو بتلبيس الحيطان وتوريقها وطرشها.

   وهكذا كان لا ينقضي على النكبة، المصاب بها القرويّ، بضعة أيّام إلّا والبيت قائم مبنيّ، صالح للسكن كما كان.

   وهذه من العادات العربيّة النبيلة، كان يتحلّى بها مواطنونا وكان اللبنانيّ يشعر في قريته أنّه جزء من كلّ وأنّ أبناء قريته إخوان له، يعاونونه إذا ما أصيب برزءٍ، ويعاونهم إذا ما رزئوا بمثل رزئه، ويشعر الجميع براحة بال وطمأنينة لا يحسّون بها لو لم تكن تلك الرابطة الإنسانيّة تضمّهم في صعيد واحد.

                                       يوسف س. نويهض