دودة القزّ
دودة القزّ أجزل الهوام فائدة للإنسان، ولذا قد عُرفت قيمتها وعني بها عناية خاصّة منذ العصور الغابرة. وأبناء لبنان يعدّونها من الديدان المباركة، لأنّ كثيرين منهم اتّخذوها قديمًا أساسًا لمعاشهم. وهي التي تهيّء لنا هذه الخيوط الثمينة الناعمة من الحرير، فيصنع النسّاجون منها نسيجًا نؤثره على كلّ منسوج آخر، لجماله ومتانته. ويتزيّن به الملوك والأمراء في قصورهم والأغنياء في دورهم.
تربيتها: وأكثر من يعتني بدودة القزّ القرويّات اللبنانيّات دون رجالهنّ. فالرجل يذهب إلى الحقل ويقطع ويمشق قضبان التوت ويأتي بها إلى البيت، ويترك ما تبقّى من العمل الشاقّ لامرأته وأولاده. أمّا المرأة فتضع بذور القزّ في خريطة من القماش، وفي الربيع تدخله بيتًا دافئًا يسمّى المدخنة أو المنحل. وعندما تحسّ هذه البذور الدفء تفقس وتصير ديدانًا صغيرة جدًا لا تكاد تراها العين المجرّدة، لكنّها تنمو نموًّا عجيبًا. فإنّه لا يمرّ عليها ثلاثون يومًا حتّى يتضاعف طولها ستّين مرّةً، فتبلغ تسعة سنتمترات، ويزداد وزنها أكثر من ثمانية آلاف ضعف. وفي خلال هذه المدّة تمرّ في أدوار منظّمة، فتصوم أربع مرّات، تنقطع خلالها عن تناول ورق التوت إلّا قليلًا. وتفطر أربع مرّات، وفي أيام إفطارها تتعب المربّيات في تهيئة الورق وهرمه (تقطيعه قصفًا صغيرة) ومناولته الدود الموضوع على أطباق مصفوفة طبقات، بعضها فوق بعض من الأرض حتّى سقف البيت.
وعندما تفطر الدودة للمرّة الرابعة، تكون قد بلغت نموّها، فيوضع لها الشيح حول الأطباق، فتتسلّقه وتخرج من فمها الصغير خيوطًا تبني بها بيتًا هندسيّ الشكل، دقيق الوسط، ثخين الطرفين، يسمّى فيلجة أو شرنقة.
والغريب أنّ الدودة تنحصر في هذا البيت وتبقى محصورة إلى أن يأتي عليها عشرة أشهر، ثمّ تهجع في الفيلجة ثمانية عشر يومًا، فتتحوّل إلى زيز ثمّ تنسلخ فتصير فراشة ذات جناحين، وهذه الفراشة هي التي تبيض البيوض الصغيرة المعروفة ببذور القزّ.
يوسف س. نويهض