سهرة حول الموقد
في أحد أيّام الشتاء المطيرة الباردة، دعوت رهطًا من الأهل والأصحاب ليقضوا سهرتهم عندي.
ما أزفت الساعة الثامنة، حتّى قرع الباب وإذا باثنين يدخلان، وقد بلّل معطفيهما المطر؛ فرحّبت بهما، وعلّقت معطفيهما على المشجب، وأدخلتهما غرفة السهرة. وقُرع الباب ثانية فهرعت إليه فأبصرت المدعوّين والمدعوّات يتوافدون، فرادى وزرافات، ويدخلون، الواحد تلو الآخر؛ حتّى اكتمل عدد الموانسين؛ وأخيرًا ولجت مع الوافد الأخير وجلس كلّ على مقعد: هذا على كرسيّ من خيزران وذاك على كنبةٍ وآخر على طرّاحة ورابع على أريكةٍ، فتألّف من القعود نصفُ دائرةٍ وتعالى الحديث والضجيج كأنّ الناس في عرس؛ وما عاد الداخل يسمع سوى نغماتٍ مشوَّشة واستغراقٍ في الضحك، ولم يدم هذا الجوّ طويلًا حتّى ساده شيء من الهدوء، وحلّ الابتسام محلّ القهقهة.
جلست بين الساهرين ورحّبت بهم أجمل ترحيب، واقتربت من الموقد ألقّمه عيدان الحطب فتلتهمها النار وتندلع ألسنتها وتبعث في سماء الغرفة أنوارًا مدفئة حتّى سيطر الدفء اللطيف وقضى على رجُفَاتِ العضَل واصطكاكِ الأضراس. شعر الجميع بسرور واستراحةٍ ولذّة، والتفتَ بعضهم إلى النار الموقَده مردّدين:
النارُ فاكهة الشتاءِ فمن يردْ أكل الفواكه شاتيًا فليصطلِ
وأخذوا يتسامرون ويروون النوادرَ ويتراشقون النكاتِ فيضحك الحاضرون حتّى إنّ بعضهم كانوا يستلقون على ظهورهم فترتفع الأصوات وتجاوبها أصداءُ هزيم الرعد والمطر الغزير المتساقط على السطح ورَفاريف البيت.
اقترب الليل من نصفه فأخذتُ بتوزيع أثمار الكستناء المشويّة بنار الموقد ثمّ أديرت فناجينُ القهوةِ الحلوةِ والمرّةِ فاحتساها الحضور؛ وقُدّمت أطباق الحلوى والملبّس فتناولوها جذلين، وما أن انتهينا من الأكل والشرب حتّى نهض الناس وارتدوا معاطفهم وحملوا شماسيّهم وخرجوا مودّعين شاكرين آسفين لانفراط عقد السهرة الأنيسة.
يوسف س. نويهض