الجود

   العامَّة تحكم أنّ حاتمًا الطائِيَّ أجود العرب. ولكنَّ الّذي يُحَدّثُ به عن حاتمٍ لا يبلُغُ مقدار ما رَوَوْهُ عن كَعْبٍ بن مامَة، لأنّ كعبًا بذل نفسه في أعطيَة الكَرَم وبَذْل المجهود، فساوى حاتمًا من هذا الوجه وبايَنَه ببذل المُهجَة.

   فقد رُوِيَ أنَّ كعبًا هذا خرج في رَكْبٍ فيهم رجلٌ من النَّمِر بن قاسطٍ، في شهرٍ ناجرٍ1، فضَّلوا فتَضافَنوا ماءَهم - وهو أن يُطْرَحَ في القَعْب حصاةٌ ثمّ يُصَبُّ فيه الماء بقَدْر ما يغمر الحصاة، فيشرب كلّ إنسانٍ بقَدْر ذلك - فقعدوا للشِّرب. فلمَّا دار القعب فانتهى إلى كعبٍ، أبصر النمريَّ يحُدُّ النظَر إليه فآثره بمائه وقال للسَّاقي:

   اسْقِ أخاك النّمرِيَّ. فشرب النّمريُّ نصيب كعبٍ ذلك اليوم من الماء. وحدث في غَدِهم ما حدث في أمْسِهِمْ ونال النَّمِرِيُّ نصيب كعبٍ. وارتحَل القوم وقالوا:

   يا كعب ارتَحِل! فلم يكن بكعبٍ قوَّةٌ للنهوض. وكانوا قد قرُبوا من الماء فقيل له: رِدْ كعب إنّك وَرَّادٌ. فتركوه مكانه ففاظ2.

                                      الجاحظ والميدانيّ

                                 كتاب الحيوان صفحة 107  

 

- ناجر: كلّ شهر في صميم الحر.1

- فاظ: مات.2