الغِرْبان

   الغراب من لئام الطّير وليس من كِرامها، ومن بُغاثها1 وليس من أحرارها، ومن ذوات البراثن الضَّعيفة والأظفار الكَليلَة، وليس من ذوات المخالب المُعَقَّفَة والأظفار الجارحة، ومن ذوات المناقير وليس من ذوات المناسر؛ وهْو، مع أنَّه قويّ البصر، لا يتعاطى الصّيد، وربّما راوغ العصفور، ولا يصيد الجرادة إلّا أن يلقاها في سُدٍّ من الجراد وهو فسْلٌ، إن أصاب جيفةً نال منها وإلّا مات هُزالًا؛ ويتقمّم كما يتقمَّم بهائم الطّير وضعافها؛ وليس ببهيمةٍ لمكان أكل الجيف، وليس بسَبُعٍ لعجزه عن الصَّيد.

   وهو حالك السّواد شديد الاحتراق، وقد يكون أبقع. ومن الغربان غراب اللّيل وهو الّذي ترك أخلاق الغربان وتشبّه بأخلاق البوم؛ ومنها غراب البَيْنِ، وهو نوعان: أحدهما غربانٌ صغارٌ معروفةٌ بالضَّعف واللُّؤْم، والآخر كلّ غرابٍ يُتَشاءَم به؛ وإنّما لَزِمَه هذا الإسم لأنّ الغراب، إذا بان أهل الدّار للنُّجعة2، وقَع في مرابض بيوتهم يلتمس ويتقمَّم فيتشاءمون به ويتطيَّرون، إذ كان لا يعتري منازلهم إلّا إذا بانوا؛ فسمَّوه غراب البَيْن. والغراب نافذ البصر صافي العين حتّى قالوا: "أصفى من عين الغراب" كما قالوا: "أصفى من عين الدّيك".

                                       عن الجاحظ

                                       كتاب الحيوان

 

- بغاث: طائر صغير لونه لون الغبار.1

- النّجعة: طلب الكلأ ومساقط الغيث.2