الفأرة والسنَّور

   الفأرةُ مُفْسِدَةٌ تجذب فتيلة المصباح فتُحْرِقُ بذلك البيتَ والقبائل الكثيرة والمدن العظام والأرباض الواسعة بما فيها من الناس والحيوان والأموال، وتقرِض دفاتر العلم وكتب الله ودقائق الحساب والصكاك¹ والشروط، وتقرض الثياب وربما طلبت القطن لتأكل بزره فتدع اللّحاف غربالا وتَقرِض الجُرُبَ وأَوْكِية² الأسقية³  والأزقاقِ والقِرَبِ فتُخرج جميع ما فيها. وتقع في الآنية وفي البئر فتموت فيه وتُحوج الناس إلى مُؤنٍ عظامٍ. وربما عضَّت رِجْلَ النائم وربما قتلت الإنسان بعضَّتها.

   والفأر "بخراسان" ربّما قطعت أذن الرجل. وجرذان "انطاكية" تعجز عنها السنانير، وقد جلا عنها قوم وكرهها آخرون لمكان جِرذانها. وهي التي فجَّرت المسَنَّاة⁴ (العَرِمَ) حتّى كان ذلك سبب الحَسْر⁵ بأرض سبأ، وهي المضروب بها المثل وسيل العرم ممّا توَرخ بزمانه العرب.

   وتقتل النخل والفسيل⁶ وتخرب الضيعة وتأتي على أَزِمَّة الرِكاب⁷ والخُطُمِ⁸ وغير ذلك من الأموال. والناس  ربّما اجتلبوا السنانير ليدفعوا بها بوائق⁹ الفأر. والسنّور يُعدى به على كلّ شيء من الحيّات والعقارب والجعلان ونبات وِرْدان.

                                                       الجاحظ

                                                    كتاب الحيوان