النمس

   يعيش النمس في معظم بلاد العالم، ويتّخذ مسكنه في الحقول والحدائق وشقوق الصخور وجذوع الأشجار الجوفاء، ويتغذّى بصغار الحيوان والزواحف والحشرات، وقد يعتدي على أبراج الحمام وأقفاص الطيور كما يفعل ابن عرس؛ وفي الهند يستأنسونه ويتركونه في المنازل لينظّفها من الحشرات والفئران والأفاعي وغير ذلك، وهو صيّاد ماهر جريء لا يستطيع أقوى الفئران أن يصمد لحظة أمامه.

   والأفاعي السامّة كثيرة الانتشار في الهند، وتجعل حياة الإنسان محفوفة بالخطر وتقدَّر ضحاياها بعشرين ألفًا في العام، وهناك تظهر فائدة النمس لأنّه أعدى عدوّ لها، والمعركة بين الثعبان والنمس متعادلة من الجانبين، كلاهما قويّ عنيد سريع الحركة، وكلاهما يحاول أن يفترس عدوّه ويأكله. نرى الثعبان وقد انتفض جسمه، وارتفع رأسه، وانتفخ شدقاه، وبرقت عيناه الخاليتان من الأجفان، وحدّق بهما في خصمه بثبات مخيف، ونرى النمس قد ارتفع ذيله فوق ظهره، وانتصب شعره كالقنفذ، وانتظر وثبة الثعبان وقبض على رأسه بأسنان قويّة فيتهشّم تحت ضغطها.

   وقد لا تنتهي المعركة بهذه السهولة فقد يخطىء النمس الإصابة، وقد يفلت منه الثعبان ويبدأ الصراع من جديد. ولكنّ النمس لا يخشى العاقبة، فشعره القائم وجلده السميك يحولان دون وصول الأنياب السامّة بسهولة إلى جسمه وتدفّق السمّ فيه. وإذا حدث ذلك، وأصاب النمس ضربة من الأنياب فإنّه لا يخسر المعركة لأنّ السمّ لا يؤذيه، والنتيجة المحتومة أنّه يلتهم رأس الثعبان بلحمه وعظمه وأنيابه وسمّه.

   ويحبّ النمس لحم الفئران، ومن الحوادث التاريخيّة التي لها صلة بذلك أنّ الفئران تكاثرت وانتشرت في جزيرة "جامايكا" بدرجة مروّعة، ووصلت إلى الحقول، وطاب لها قصب السكر فلم تبقِ منه على وجه الأرض شيئًا، وأصبحت هذه الثروة الزراعيّة مهدّدة بالفناء، وقد لجأ المزارعون إلى وسائل عدّة للتخلّص من الفئران، ولكنّها لم تُجْدِ نفعًا. وأخيرًا فكّروا في إدخال النمس إلى الجزيرة، إذ لم يكن موجودًا فيها من قبل، واستوردوا  عددًا كبيرًا منه وأطلقوه في المزارع فنما وتكاثر وجعل غداءه من الفئران، ولم تمض ثلاث سنوات حتّى كانت الجزيرة خالية منها تمامًا.

   وهنا نشأ خطر آخر لأنّ النمس أخذ يبحث عن غذاء آخر، فبدأ بالدواجن، ولم يتركها إلّا بعد أن قضى عليها؛ ثمّ انتقل إلى الطيور فالتهم صغارها من عشاشها، وندرت، بسبب ذلك، الطيور التي كانت تتغذّى بالحشرات الضّارّة بالزراعة، فانتشرت هذه الحشرات وأصابت المزروعات بالتلف.

   وأخيرًا رأت الحكومة أنّه لا مناص من التخلّص من النمس، فجرّدت عليه حملة لإبادته، وقد نجحت في ذلك، إذ لا يوجد الآن بهذه الجزيرة نمس واحد.

   والنمس في "لبنان" خطر على الدجاج أكثر من الثعلب، فإذا حظي بمزرب مفتوح في أثناء الليل، خنقها جميعًا وتركها بعد أن يشبع من دمها.

                                   غرائز الحيوان "سلسلة اقرأ"