أعمال الفلّاح
إذا ما اشتدّ البرد وقسا وتعسّرت حراثة الأرض، يقبع الزارع في منزله المتواضع، غير أنّه لا يضيّع وقته قاعدًا حول الموقد، ينعم بناره، ملاعبًا صغاره، بل يقوم بأشغال تسهّل له مهمّته في الحقل. عندما يتحسّن الطقس يحمل سكّته إلى الحدّاد ليسنّها ويحدّ رأسها وجناحيها ويقود ثيرانه وبقراته إلى البيطار ليبيطرها ويعنى بتنظيف مواشيه ومعالجتها ويصلح بنفسه فجلة محراثه وكابوسته وشرعة نيره؛ ويهيّء مسّاسه ويتفقّد ما عنده من حبوب وعلف.
ومن الحرّاثين من يتعاطون أعمالًا أخرى فيعدّون مساميك الدوالي يبرون رؤوسها حتّى يسهل غرزها في التراب، عند رفع أغصان الكروم في أوّل الصيف وحتّى لا تحترق العناقيد من جرّاء التصاقها بالتربة الحامية. ويسوّون القصب اللّين والغزّار لحياكة السلال والصوابير التي يتعاون في صنعها الزوجة والأولاد الكبار. وأحيانًا يطحنون بأيديهم الخشنة القويّة حبوب الحنطة والذرة والبرغل لمؤونة العيلة ويجرشون العلف للماشية على حجر الطحن المعروف بالجاروش.
وإذا ما هبط جنح الظلام يتجمّعون حول النار يشوون ثمار البلّوط والدوّام ويزدردونها كأنّها كستناء، ولا يبطئون حتى يهبّوا إلى فرشهم الممدودة في أرض الغرفة التي تأوي جميع أفراد العائلة، ويرقدون بعد أن يكون التعب والنعاس قد سيطرا على الأجسام والعيون.
يوسف س. نويهض