الملاريا

   اعلم أيّها القارىء العزيز أنّ هذا الداء، داءٌ في الناس قديم، فقد عرفه "أبقراط" اليونانيّ الشهير "بأبو الطبّ" الذي عاش في القرن الخامس قبل المسيح، وقد أرجع العلماء اللّاتين مصدره إلى المستنقعات؛ وفي القرون الوسطى طغت في "أوروبا" حمّى متقطّعة، فيها الرعدة وفيها العرق، وتأتي على ميعاد، ولم تكن سوى هذا المرض الخبيث المعروف بالملاريا؛ وقبل العصور الوسطى سجّله "المتنبي" شاعر العرب الأكبر في قصيدته الميميّة فقد أصابه هذا الداء وهو في "مصر"، فوصفه عن خبرة ولم يخطىء وصفًا قال:

وزائرتي كـأنَّ بها حيــــــــــاءً      فليس تزور إلّا في الظـلام

بذلت لها المطارف والحشايا     فعافتها وباتت في عظامي

يضيق الجلد عن نفسي وعنها      فتوسعه بأنواع السقــــام

إذا ما فارقتنــــــي غسَّـــلتني     كأنـّا عاكفـــان على الحرام

كأنّ الصبح يطردها فتجــري      مدامعها بأربعـة سجــــام

أراقــب وقتها من غير شــــوق   مراقبة المشُـوق المستهام

 ويصدق وعدها والصـدق شرّ   إذا ألقاك في الكُرَب العظام

   وهذا الداء الخبيث القديم هو المعروف في لبنان بالبرداء أو البرديّة أو الأدوار، لأنّه يأتي يومًا وينقطع يومًا ويشفى منه المريض مدّة ويعود إليه بعد غياب.

   وجرثومته ليست من الماء، ولكنّها تنتقل إلى الإنسان بواسطة البعوض المتولّد في الماء، وأثبت المتخصّصون أنّها تنتقل من دم إنسان إلى دم إنسان.

   فالواجب تعلّم محاربة هذه الهوام الضارّة في بيوتنا، وتعليم الناس الجاهلين أساليب مكافحتها، وهي ليست عسرة إذ تقوم على تنظيف البرك أو أوعية الماء بعد تفريغها تفريغًا كاملًا، أو وضع السمك أو الكاز أو المازوت في تلك البرك والمستنقعات أو في الجور القذرة.

   فالسمك يأكل بويضات ناقلات هذه الحمّى الخبيثة والكاز يفتك بها، ويكفي أن يفعل ذلك مرّة كلّ أسبوعين لكي يقضي على البعوض الذي كثيرًا ما يقضّ مضاجعنا ويبعد عن أعيننا النوم الهانىء. فإذا ما فعلنا ذلك بأنفسنا أو هدينا الآخرين إلى هذا العمل النافع، أدّينا خدمة إنسانيّة ووطنيّة ههمّة لأنّ هذا الوباء أكثر الأمراض انتشارًا في بلادنا. وهو يهيّء المريض لمرض السلّ، ويسهّل السبيل لغيره من الأمراض الفتّاكه، ويورث صاحبه الضعف والخمول والملل، وهذه قائدة إلى الكسل الذي هو آفة من آفات مجتمعنا الشرقيّ. فإذا ما حاربنا هذه البعوضة، فكأنّنا نحارب هذه الآفة ونسير بشعبنا إلى العمل والنجاح والراحة.