بلاد الغرائب
لا تزال أميركا أمّ الغرائب حتّى لا يكاد يمرّ بنا يوم إلّا تأتينا أنباؤها ببدعة غريبة تدلّ على بعد هِمم أولئك القوم ومضاء عزائمهم في سرعة إنقاذها. وقد كان من جملة أعمالهم التي لم تكن تخطر على بال أنّ بلدة في إحدى ولاياتهم المتّحدة ضاقت بأهلها، فقام جمهور منهم دفعة واحدة وقرّروا أن يبنوا لهم بلدة جديدة يأوون إليها.
فتخيّروا قطعة من الأرض جيّدة الهواء غزيرة الماء، وشرعوا يبنون المنازل فيها بجدّ غريب، حتّى بنوا مئة منزل تأوي ثمانمئة نفس من السكّان.
ثمّ رأوا أنّه يجب أن تكون بلدتهم تامّة من كلّ وجه، فبنوا مجلسًا بلديًّا ودورًا للشورى والمحاكم والشرطة والبريد، ثمّ بنوا مدرسة وكنيسة وسجنًا، واجتمعوا فانتخبوا رئيسًا للبلديّة وعيّنوا الحكّام ورجالًا لحفظ الأمن.
واحتفلوا على أثر ذلك بنجاح أرباب الخطط في خططهم، وألقوا الخطب وأدبوا المآدب، وابتدأ ذلك في اليوم الثامن من الشهر وانتهى كلّه في اليوم الثاني عشر منه، أي أنّه في أربعة أيّام فقط أسّست بلدة تامّة في جميع شروطها وحاجاتها وهي الآن قائمة تشهد بعظمة الأميركان، ومجاراة أيديهم لسرعة كهربائيّتهم، ولا بدّ أن يكون لهذه البلدة مستقبل عظيم لكثرة من يردها من السيّاح لمشاهدة هذه البدعة الغريبة، وقد سمّيت هذه البلدة "منظر الجبل".