إحسان
كنت أسير ذات يوم في الطريق فإذا بسائر هرم يثير كلّ اهتمامي:
عينان دامعتان حمراوان وشفتان أرعدهما البرد، وأسمال بالية تكشف عن جسم فانٍ هزيل، تتخلّله القروح والجروح القذرة؛ لقد تجسّم الفقر والشقاء في قسمات هذا المخلوق البائس المسكين.
ومدّ إليّ يدًا دامية متورّمة، وأرسل من فمه أنينًا مثل أنين الحيوان الجريح، ضارعًا يسأل الإحسان. وفتَّشت في جيوبي ولكنّي لم أعثر على حافظة نقودي، ولا على ساعتي ولا حتى على منديلي. لقد خرجت من البيت دون أن آخذ معي شيئًا.
وكان الرجل ينتظر ويده الممدودة الضارعة تضطرب في رعدة خفيفة.
عندئذ مددت إليه يدي في حيرة وحياء، وتناولت يده المتورّمة القذرة وضغطت عليها وقلت:
لا تؤاخذني يا أخي، ليس معي شيء أعطيك إياه.
فحدجني الرجل بعينيه الدامعتين وارتسمت على وجهه البائس ابتسامة حزينة، وضغط بدوره على أصابعي وقال بصوت مبحوح:
شكرًا يا أخي، إنّها خير حسنة. فأدركت عندئذ، أنّني قد تلقّيت أنا أيضًا إحسانًا غاليًا من أخي الفقير.
من الأدب الروسيّ
محمد عبد الحليم محمود