الطبيعة
لكلّ صنفٍ من أنواع الخلائق سُنّة متّبعة تَجري عليها وشرائع ثابتة لا تتعدّاها. فإنّ من أرسل رائد البصر والبصيرة في مجال الطبيعة الواسع، يرى فيها ممّا مَنَّ الله به على الإنسان والحيوان والنبات والجماد من الهبات وسنَّ لها من النظامات ما يستوقف عقله، لتأمّل عظمة الخالق وسموّ حكمته. فإنّه تعالى لم يقتصر على العناية بأمر الإنسان الذي هو رأس الخلائق الأرضيّة ولكنّه شمل الحيوان إلى أدنى صفوفه بمثل تلك العناية، ورتّب له أطوار معيشته ووفّر له أسبابها ولنا في ذلك شواهد أثبتتها المراقبة لا تقلّ أهمّية البحث فيها عن غيرها من المباحث العلميّة.
فللمتأمّل أن يرسل فكرته إلى عالم الهوامّ ويخضعها هناك قليلًا، فيرى أنّ لكلّ حشرة منها نظامًا تجري عليه بكلّ دقّة، منقطعة إلى إتمام عملها طبقًا للقاعدة الطبيعيّة، متجافية عن كلّ ما يلحق بها ضررًا ويعترض سيرها، في إتمام ما وجدت للعمل به.
وانظر إلى حالة الفراش الذي تراه دائمًا يحوم حول الأزهار، ينتقل من زهرة إلى أخرى لاجتناء ما تهيّأ له فيها من الموادّ الصالحة لغذائه وقيام وظيفته. وكذا عدد كثير من ذوات الأجنحة التي لا تقلّ معيشتها انتظامًا عن معيشة النحلة والنملة وغيرها من الهوامّ الراقية.
فمن تأمّل حالها تبيّن له ثبات نظام الطبيعة ودقّته، ورأى هناك أسرارًا غامضة وأغراضًا خفيّة لا يمكن إدراكها، ترجع بجملتها إلى سنّة الكون.
"الضياء" صفحة 421
السنة الأولى
بقلم الشيخ "بولس مسعد"